إن مخالفة البعض للاهتمام بالفقه المقارن بزعم أنه يستلزم نشر الآراء الباطلة وترويجها فهو زعم يعارضه ويدفعه بأن استعراض الآراء المتخالفة وترجيح الصحيح والأصح منها ينتج التألق والتبليغ السليم والعلمي للرأي الحصيف والسديد من خلال تحقق المقارنة. خاص الاجتهاد: يعتقد خريج حوزتي النجف الأشرف وقم المقدسة سماحة الأستاذ السيد منذر الحكيم* أن الفهم الدقيق والسديد لآراء أهل البيت […]
إن مخالفة البعض للاهتمام بالفقه المقارن بزعم أنه يستلزم نشر الآراء الباطلة وترويجها فهو زعم يعارضه ويدفعه بأن استعراض الآراء المتخالفة وترجيح الصحيح والأصح منها ينتج التألق والتبليغ السليم والعلمي للرأي الحصيف والسديد من خلال تحقق المقارنة.
خاص الاجتهاد: يعتقد خريج حوزتي النجف الأشرف وقم المقدسة سماحة الأستاذ السيد منذر الحكيم* أن الفهم الدقيق والسديد لآراء أهل البيت (عليهم السلام) إنما يتحقق حين يقف الفقيه على آراء المخالفين ويكشف تفاصيل الخلاف بين أهل البيت ومن سواهم.
كما يرى مدير ومؤسس قسم فقه الأسرة التخصصي في جامعة المصطفى العالمية، أن الفقيه لا يستغني عن فقه الوفاق كأساس للتحاكم والتقييم والموازنة والنقد والبحث العلمي السليم.
وفي ما يلي نقدم لکم حوارا اجریناه مع سماحة الاستاذ السيد منذرالحكيم حول الفقه المقارن ومدى الحاجة اليه في زماننا هذا:
۱. ماهو تعریف الفقه المقارن عندکم وبحسب رأیکم کاستاذ متخصص في هذا الحقل العلمي؟
يتقوم الفقه المقارن باستعراض الآراء الفقهية للمذاهب الإسلامية ومقارنة بعضها ببعض.
وتتم المقارنة على عدة مستويات :
الف- مستوى العرض فقط
ب- مستوى العرض مع الاستدلال لكل رأي
ج – مستوى العرض و الاستدلال والمناقشة للادلة واختيار ما يسلم من الأدلة من المناقشة العلمية السليمة.
۲. ماهی العلاقه بین الفقه المقارن وفقه الخلاف؟
ج: فقه الخلاف هو أحد فرعي الفقه المقارن حيث أننا نقسم الفقه المقارن إلى فرعين:
أ- فقه الوفاق وهو ما اتفقت عليه كلمة المذاهب الإسلامية
ب- فقه الخلاف و هو ما اختلفت فيه كلمة المذاهب الإسلامية
۳. کیف نشا الفقه المقارن ؟ ومتی وکیف انتشر الفقه المقارن في الحواضر العلمیة الاسلامیة؟
ان دعوة القرآن الكريم المؤمنين المستعدين للتفقه في الدين وأمرهم بذلك وفتح باب الاستنباط للأحكام الشرعية من مصادر الاستنباط والحث على الاجتهاد في حقل التفقه في الدين مع اختلاف القابليات و القدرات العلمية لهم رغم رسم قواعد عامة للاستنباط يستدعي حصول التفاوت والاختلاف في الفهم والاستيعاب لمداليل النصوص الشرعية وبالتالي اختلاف فتاوى الفقهاء وتفاوت آراءهم العلمية رغم سلامة المنهج المتخذ للاستنباط فضلًا عن حصول الاختلاف في المناهج النصوص الشرعية في عصر الرسول صلى الله علیه واله عصر نزول القرآن و صدور الأحاديث النبوية.
وقد حصل خلاف منهجي وخلاف سياسي جاد بين الصحابة أنفسهم من حيث لزوم إتباع أهل بيت الرسالة (عليهم السلام) عند جملة منهم، وعدم لزوم ذلك عند بعضهم مما أدى إلى تهميش دور اهل البيت (عليهم السلام) في المرجعية السياسية و العلمية والدينية للمسلمين أنفسهم.
ثم تلى ذلك التهميش محاولة طرح ضرورة التأصيل العلمي لسلوك الصحابة الذين همشوا دور اهل البيت (عليهم السلام) واختزلوه في محبتهم دون ضرورة اتباعهم.
و من هنا حدث الشرخ الكبير والخلاف الأساسي في مناهج الاستنباط ومصادره وقواعده وانعكس بالتدريج على المسلمين فحدثت المذاهب والمدارس المختلفة في عالم الفقه والتفقه في الدين .
فكانت المدرسة التي تدعم الحكام الذين همشوا اهل البيت (عليهم السلام) هي المدرسة السائدة والغالبة حتى القرون المتأخرة، و حري بنا أن نسميها كما سماها العلامة العسكري بمدرسة الخلفاء.
وأما المدرسة التابعة لأهل البيت (عليه السلام) فهي مدرسة الإمامة و مدرسة آل الرسول صلى الله علیه واله فی المناهج. فکلما ابتعد المؤمنون والمسلمون عن عصر صدور النصوص كانوا يزدادون تأصيلا للخلاف فيما بينهم حتى انحسرت حاكمية بني عثمان وسيطر الاستعمار الأوربي على أراضي المسلمين وفقدوا سلطتهم.
4. هل نحتاج إلى الفقه المقارن في عصرنا هذا؟ و لماذا؟
ج – إذا عرفنا اسباب الاختلاف الحقيقية والمصطنعة عرفنا مدى ضرورة الاهتمام بالفقه المقارن في عصرنا الحاضر عصر الحاجة إلى وحدة الكلمة وتحكيم الجبهة الواحدة المقاومة لكل أسباب الفرقة والتنازع والشقاق حيث تتطلب الساحة من المسلمين اجتماع كلمتهم على التقوى المعتمدة على توفر كل اسباب الهدى والوعي والبصيرة لحفظ مصالح الدين الحافظة لكل مصالح الدنيا والآخرة.
5. ما هي الضرورات التي تفرض علينا الاهتمام بالفقه المقارن في عصرنا هذا؟
ج – الضرورات التي تفرض علينا الاهتمام بالفقه المقارن في عصرنا الحاضر هي كما يلي:
أ : المعروف ان ” أَعْلَمُ النَّاسِ مَنْ جَمَعَ عِلْمَ النَّاسِ إِلَى عِلْمِهِ” ولا تتحقق الأعلمية الا بالاحاطة بجميع الآراء وأدلتها والقدرة على تقييمها واختيار الصحيح أو الأصح منها بشكل علمي. قال تعالى: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} [ الزمر : 17-18 ]
ب: الاتقان في الافتاء المعتمد علی الدقة والاحاطة بالادلة وتطبیقاتها وتشخیص مصادیقها يتوقف على التحري العلمي الحاصل من الاحاطة بجميع الآراء المهمة وادلتها والقدرة على تقييمها واختيار السليم منها أو الأصح منها.
ج : إن من مقتضيات بعض قواعد باب التعارض هو تشخيص آراء المخالفين الذين آثروا مخالفة اهل بيت الرسالة (عليهم السلام) ونهجهم لاسباب سياسية لكي يتحقق شرط الترجيح لأحد المتعارضين. وهنا يكون الرشد في مخالفة آراء المخالفين
د: ان النضج العلمي يتطلب الاحاطة بكل الآراء والقدرة العلمية على تقييمها واختيار الأصح منها.
6. ما هو مدى اهتمام الفقهاء الإمامية وغيرهم بالفقه المقارن؟
ج – لقد اهتم كبار فقهاء الامامية منذ عصر الائمة الاطهار (عليهم السلام) وعصر الغيبة الصغرى ثم ما تلاه من ادوار التطور الفقهي بالفقه المقارن بدءً بأصحاب الأئمة الذين كانوا يناقشون من كان يختلف مع أهل البيت (عليهم السلام) جملة وتفصيلاً وقد بينا جملة من هذه الحوارات في موسوعة أعلام الهداية وقد ألف المفيد والمرتضى والطوسي وابن ادريس الحلي والمحقق الحلي والعلامة الحلي في هذا الحقل وكتبهم في الفقه المقارن بشقيه: فقه الوفاق و فقه الخلاف معروفة ومتألقة.
وقد إمتاز عظماء فقهائنا بالاهتمام بالفقه المقارن كالشهيدين وبذلك حازوا قصب السبق على علماء سائر المذاهب وتصدروا منابر الإفتاء والتدريس في العالم الإسلامي وتتلمذ فقهاء سائر المذاهب الاسلامية على أيديهم.
7. لماذا يرفض بعض فقهاء الإمامية المعاصرين الاهتمام بالفقه المقارن ؟ و يرى لهذا الاهتمام عدة سلبيات يكفي كل منهما لرفض هذا الاهتمام؟
ج – إن مخالفة البعض للاهتمام بالفقه المقارن بزعم أنه يستلزم نشر الآراء الباطلة وترويجها فهو زعم يعارضه ويدفعه أن استعراض الآراء المتخالفة وترجيح الصحيح والأصح منها ينتج التألق والتبليغ السليم والعلمي للرأي الحصيف والسديد من خلال تحقق المقارنة.
لأن الأشياء تعرف جيداً بأضدادها كما ورد عن الإمام علي (عليه السلام) سيد العارفين وإمامهم وهكذا يتميز الرأي السديد على ما سواه من الآراء بشكل ينتهي إلى الاختيار الواعي والدقيق.
بل يمكن أن يقال بأن الفهم الدقيق و السديد لآراء أهل البيت (عليهم السلام) إنما يتحقق حين يقف الفقيه على آراء المخالفين ويكشف تفاصيل الخلاف بين أهل البيت و من سواهم فيكون قد بلغ ذروة الفهم و الدقه في فهم مراد أهل بيت الرسالة و موارد التميز لآرائهم عمن سواهم.
8. كيف يمكن للفقه المقارن أن يضع حدا للخلاف بين أرباب المذاهب الإسلامية؟
ج: ان فتح باب الحوار والمناقشة العلمية الموضوعية من أجل كشف الحق واتباعه ورفض الباطل بعد تشخيص بطلانه بشكل علمي موضوعي هو السبيل السليم للخروج من الاختلاف المؤدي إلى الشقاق والنزاع وهو السبيل لتوحيد كلمه المسلمين باتجاه الوصول الى الحق الحقيق بالتصديق والاتباع وهو مابشر به القران اهل الحق وأولي الألباب وهو ما يؤول اليه مستقبل البشرية بعد أن ينتشر ويظهر الباطل و ينكشف بطلانه. قال تعالى: وقل جاء الحق وزهق الباطل أن الباطل كان زهوقا.
9. ما هو المنهج المفضل لدراسة الفقه المقارن في هذا العصر؟
ج: إذا عرفنا أسباب الخلاف الحقيقية و المصطنعة و عرفنا أن الدين عند الله الإسلام وهو الدين الكامل لتنظيم حياة الإنسان والفرد والمجتمع الإنساني وأن أحكام الله لا تصاب بالعقول وأن الوحي الإلهي قد حدد الخطوط العريضة والأساسية للتشريع، عرفنا ان الخلافات الفقهية يمكن تقليلها أو معالجتها إذا اهتممنا بتحديد المتفق عليه بين المذاهب أو داخل المذهب الواحد.
وبذلك لا يستغني الفقيه عن فقه الوفاق كأساس للتحاكم والتقييم والموازنة والنقد والبحث العلمي السليم.
وسوف يدرس كل مسألة خلافية في ضوء المتفق عليه وبهذا سوف تضيق دائرة الخلاف وتتسع دائرة الوفاق بالتدريج ويكون هذا المنهج منهجا علميا لتقليل الفواصل الحادثة بين أرباب المذاهب والاقتراب من وحدة الرأي والكلمة المؤدية إلى إحكام المواقع عند المسلمين والخروج بالتدريج عما تكبده المسلمون من آثار الفرقة والتمزق والاختلاف المذموم.
إعداد : سيد محمود عربي
نظرات